سوريا تحت حكم الجولاني: فوضى ما بعد الأسد… ومصير ما زال غامضًا

بقلم: عباس حمدوش

 

بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في أوائل عام 2025، دخلت سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها الحديث، لكنه ليس أقل اضطرابًا من الذي سبقه. تولى أحمد الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، زمام الحكم كرئيس انتقالي بدعم من تحالف قوى المعارضة المسلحة، لتبدأ البلاد تجربة جديدة، لا تزال ملامحها تتشكل وسط الفوضى والصراعات الإقليمية.

فمن ما يسمى لديهم بالثورة إلى الحكم اصبح الجولاني في موقع القرار. “الجولاني”، الذي كان لسنوات زعيمًا لفصيل جهادي (من الدولة الاسلامية في العراق والشام الى جبهة النصرة سابقًا، ثم هيئة تحرير الشام)، بات اليوم رئيسًا فعليًا لسوريا في مرحلة انتقالية، بعد أن سيطرت قواته وحلفاؤه على العاصمة دمشق بداية 2025، بدعم غير مباشر من قوى إقليمية سعت إلى إسقاط النظام السابق.

ورغم تقديم نفسه اليوم كزعيم سياسي، فإن ماضي الجولاني لا يزال يلقي بظلاله على الواقع، حيث تسود البلاد حالة من عدم اليقين والتوتر، وسط غياب المؤسسات القوية، وسيطرة الفصائل المتضمنة بعناصر اجنبية مختلفة على الأرض، حيث كان سابقاحكم الأمر الواقع في شمال غرب سوريا.

كانت هيئة تحرير الشام قد رسخت حكمًا صارمًا منذ سنوات في محافظة إدلب، عبر ما يُعرف بـ”حكومة الإنقاذ”. اليوم، ومع سيطرة الجولاني على العاصمة، توسعت سلطته من مجرد زعيم فصيل إلى “رئيس انتقالي”، لكنه لا يحكم دولة متماسكة، بل مجموعة مناطق مدمرة ومقسمة، المؤسسات ضعيفة، الأمن هش، والعدالة غائبة. تُسجَّل انتهاكات مستمرة بحق الصحفيين، والنشطاء، والسكان، وسط غياب سلطة قضائية مستقلة، أو ضمانات قانونية.

 

أما الأقليات، الكورد في مفترق طرق

 

أحد أكبر التحديات التي تواجه المرحلة الانتقالية هو وضع الأقليات، وعلى رأسها الكورد في شمال شرق سوريا.

الإدارة الذاتية الكوردية، التي كانت تدير المنطقة بدعم من التحالف الدولي، تواجه اليوم تحديًا مباشرًا من حكومة الجولاني. رغم الدعوات للحوار، إلا أن التوتر قائم: الكورد يطالبون بضمانات دستورية واعتراف رسمي بالإدارة الذاتية.

حكومة الجولاني ترفض حتى الآن أي مشروع فدرالي أو لامركزي واسع.

التوترات على الأرض تتزايد، خاصة في مناطق التماس قرب الرقة والحسكة. فوضى في الجنوب والشرق: الميليشيات تتقدم رغم سيطرة السلطة الانتقالية على العاصمة، فإن الجنوب السوري (درعا، السويداء)، وكذلك مناطق من الشرق (دير الزور، البوكمال)، تشهد حالة انفلات أمني شديد. الميليشيات المحلية والجهات الممولة من الخارج (خاصة من إيران) تتصارع على النفوذ، بينما تتكرر الاغتيالات، والخطف، وتجارة السلاح بشكل يومي.

أما السكان : من مختلف الطوائف، يعانون من غياب القانون، وتدهور المعيشة، وانعدام الخدمات. الأقليات المسيحية والدرزية، مثلهم مثل باقي السوريين، يشعرون بالتهميش والقلق من المستقبل.

 

القوى الإقليمية فلعبة السيطرة مستمرة

رغم “سقوط الأسد”، فإن القوى الإقليمية لا تزال تتحكم بمفاصل القرار السوري:

تركيا تدعم فصائل المعارضة المسلحة، وتحتفظ بوجود عسكري مباشر في الشمال.

إيران لم تتخلّ عن نفوذها، خاصة في الجنوب الشرقي، وتدعم ميليشيات محلية.

روسيا تحافظ على وجودها في الساحل وفي بعض قواعدها الاستراتيجية.

الولايات المتحدة لا تزال حليفة لقسد، وتسيطر على المجال الجوي شرق الفرات.

كل طرف يحاول التأثير في المرحلة الانتقالية، ما يجعل القرار السوري رهينة توازنات خارجية أكثر منه إرادة داخلية. فإلى أين تتجه سوريا؟ سوريا اليوم ليست في حرب شاملة، لكنها ليست في سلام.

الدولة ضعيفة، والشرعية محل نزاع، والأمن هش، والاقتصاد منهار.

الشعب السوري، الذي دفع أثمانًا باهظة على مدار 14 عامًا، لا يزال ينتظر حلولًا حقيقية، لا تعيينات فوقية، ولا تبديل وجوه.

 

أما المرحلة القادمة، فستتوقف على قدرة الجولاني على:

– تحقيق مصالحة وطنية شاملة

– ضمان حقوق الأقليات دستورياً

– إعادة ضبط العلاقة مع الفصائل المسلحة

– الانفتاح على الداخل والخارج، لا الهيمنة الأمنية فقط

وحتى يحدث ذلك، تبقى سوريا دولة معلّقة بين فوضى الأمس، وخوف الغد.