سوريا المستقبل تبدأ من الاعتراف بحقوق الكورد

بقلم : اسروان عصام صبري – رئيس منظمة ياسنا روج آفا للتطوير الفلسفة الزرادشتية

 

في زمنٍ تتبدّد فيه الحقائق تحت وطأة المصالح الإقليمية والدولية، يحقّ لنا نحن الشعب الكوردي في سوريا أن نرفع الصوت عالياً: نحن هنا، ونحن باقون. لسنا طارئين على هذه الأرض، ولسنا عابرين في تاريخها، بل نحن جزءٌ أصيلٌ من نسيجها الحضاري والإنساني. وجودنا ليس مجرّد ادّعاء أو رواية عابرة، بل حقيقة تؤكّدها صفحات التاريخ ووقائع الجغرافيا.

 

لقد عاش الكورد على أرضهم في سوريا منذ آلاف السنين. من جبال عفرين إلى سهول الجزيرة، ومن مدن قامشلو وديريك إلى كوباني، تشهد الأرض والحجر والإنسان أن الكورد لم يكونوا يوماً ضيوفاً أو طارئين. الحضارات الميتانية، والهورية، والزاغروسية تشكّل جزءاً من هذا الإرث العميق الذي لا يمكن محوه أو إنكاره مهما حاولت القوى المعادية.

 

سياسيّاً، لم يكن الكورد غائبين عن المشهد السوري. فمنذ تأسيس الدولة السورية وحتى اليوم، سعى الكورد إلى أن يكونوا شركاء حقيقيين في بناء وطن ديمقراطي يضمن الحقوق المتساوية لجميع مكوّناته. لكنّ هذه المساعي جوبهت بسياسات التهميش والإنكار، بدءاً من حرمان مئات الآلاف من الكورد من الجنسية، مروراً بطمس الهوية القومية والثقافية، وصولاً إلى محاولات التغيير الديموغرافي والتهجير القسري.

 

إنّ حقوق الشعب الكوردي في سوريا ليست منحةً من نظام أو جهة، ولا فضلاً من سلطة، بل هي حقوق طبيعية، وقومية، وإنسانية، كفلتها المواثيق الدولية وميثاق الأمم المتحدة. وأيّ مشروع لبناء مستقبل ديمقراطي في سوريا لا يمكن أن يكون قابلاً للحياة ما لم يعترف صراحةً بوجود الكورد وضمان حقوقهم القومية والثقافية والسياسية بما يتناسب مع حجم تضحياتهم ومساهماتهم.

 

إلى كلّ من ينكر وجودنا أو يحاول مصادرة حقوقنا: نحن هنا، وسنظلّ هنا. لن تستطيعوا طمس هويتنا، ولن تنجح مشاريع التهجير والتغيير الديموغرافي في اقتلاعنا من أرضنا. لقد قدّم الشعب الكوردي في سوريا التضحيات الجسام في سبيل حريته وكرامته، وهو مستمرّ في نضاله السلمي والسياسي حتى نيل كامل حقوقه المشروعة.

 

إنّ المرحلة التي تمرّ بها سوريا عموماً، والشعب الكوردي خصوصاً، لا تحتمل المزيد من التشرذم والانقسام. نحن بحاجة إلى خطاب وطني كوردي جامع، يتجاوز الحزبية والمناطقية، يوحّد الصفوف، ويرفع معاناة الشعب فوق كلّ اعتبار. فالتاريخ لا يرحم من خذل شعبه في ساعة الشدّة، ولا يغفر لمن تقاعس حين كان الوطن ينزف.

 

ختاماً، إنّ الوجود الكوردي في سوريا حقيقة راسخة، محفورة في كلّ شبرٍ من الأرض، في كلّ شجرةٍ وبيتٍ وذكرى. ولا مستقبل لسوريا ديمقراطية عادلة إلا بالاعتراف بهذه الحقيقة، وضمان حقوق الشعب الكوردي، كما يليق بهذا المكوّن الأصيل.