بقلم : إدريس علي شكاكي – عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا (الپارتي)
في خضمّ المشهد السياسي الكُردي والسوري، يبدو أن الشعارات الرنّانة قد باتت بديلاً عن البرامج الواقعية، وأن الصوت العالي غطّى على صوت العقل والمسؤولية. تتزاحم الشعارات القومية والوطنية، وتُرفع اللافتات التي تتحدث عن الحرية والكرامة والحقوق، بينما تتلاشى الأولويات الحقيقية وسط هذا الضجيج.
على الساحة الكُردية في سوريا، لا يزال الانقسام سيّد الموقف، رغم التحديات المصيرية التي تهدّد الوجود القومي ذاته. ففي الوقت الذي تتعرض فيه المناطق الكُردية لمحاولات التغيير الديموغرافي، والتهجير القسري، والتهميش السياسي، نجد أن القوى الكُردية منشغلة في نزاعات جانبية، وصراع على النفوذ، وسباق على المواقع، متناسيةً أن الخطر المحدق لا يميّز بين حزب وآخر أو جهة وأخرى.
الشعارات التي ترفعها الأطراف الكُردية عن وحدة الصف والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الكُردي، تتناقض في أغلب الأحيان مع الممارسات اليومية على الأرض. تُرفع راية الوحدة في المؤتمرات والبيانات، بينما الميدان مليء بالمتاريس الحزبية والحسابات الضيقة. ووسط هذا الزحام، تضيع أولويات حماية الوجود الكُردي، وبناء مشروع سياسي يُعبّر عن تطلعات الناس، ويعزّز صمودهم في وجه التحديات.
أما في المشهد السوري الأوسع، فالصورة أكثر تعقيدًا. عشرات القوى السياسية، وعشرات الشعارات عن الديمقراطية والعدالة والحرية، بينما الواقع يحكي عن بلدٍ ممزّق، وشعبٍ أنهكته الحرب، ومناطق نفوذ تتقاسمها قوى إقليمية ودولية. غابت الأولويات الوطنية الجامعة، وحلّ محلها سباقٌ على تمثيل الشرعية، وصراعٌ على فتات السلطة، فيما تستمر معاناة الملايين من السوريين في الداخل والخارج.
إن ما تحتاجه الساحة الكُردية والسورية اليوم ليس شعاراتٍ جديدة، ولا خُطبًا طنانة، بل رؤية واقعية، وخطة عمل واضحة، تبدأ بإعادة ترتيب الأولويات: حماية الإنسان قبل الأرض، بناء الثقة بين المكونات، تقديم المصلحة العامة على المكاسب الحزبية، وصياغة مشروع جامع يُنقذ ما تبقّى من وطن وشعب.
حين تضيع الأولويات في زحام الشعارات، لا يحصد الناس سوى المزيد من الخيبات، وتطول معاناتهم في انتظار من يُعيد للبوصلة اتجاهها الصحيح.
