استقلالية القرار السياسي الكردي: بين التبعية وحق الإرادة

بقلم : حوران حم

 

في مسيرتي السياسية، لم يكن قرار الاستقلال عن التبعية مجرّد خيار تنظيمي، بل موقف وجودي نابع من قناعة راسخة: أن لا حرية دون إرادة، ولا كرامة دون قرار سياسي مستقل.

إن استقلاليتي في الموقف والرؤية، ليست موقفًا فرديًا، بل امتدادًا لإرادة شعب في كردستان سوريا سئم من التبعية العمياء والولاءات المستوردة. لقد آن الأوان لأن نقول بوضوح: إن القرار السياسي الكردي في كردستان سوريا يجب أن ينبع من داخل ساحته، من تطلعات شعبه، لا من حسابات القوى السياسية في هولير أو السليمانية أو قنديل.

منذ الثمانينات، دخلت حركتنا الكردية في كردستان سوريا ضمن شبكات تبعية متباينة، خضعت فيها للنفوذ القادم من أجزاء كردستان الأخرى، وتحوّلت ساحتنا إلى مجال تصفية حسابات أو تصدير صراعات داخلية من خارج حدودها. هذه الحقيقة المؤلمة ساهمت في إضعاف هويتنا السياسية، وتكبيل حركتنا بشروط الآخرين، حتى أصبح القرار الكردي في كردستان سوريا، في كثير من الأحيان، رهينة توافقات لا تعنينا أو خلافات لا نملك فيها قولًا أو موقفًا.

لكننا اليوم أمام منعطف مختلف، تفرضه التغيرات الإقليمية والدولية، والفرص التي فتحتها تضحيات شعبنا. نحن لسنا ملحقًا بأحد. نحن لسنا صدىً لأحد. نحن أبناء تجربة لها خصوصيتها الجغرافية والسياسية والاجتماعية، وهذه الخصوصية تفرض احترامها لا وصايتها.

إنني أؤمن أن حل قضية شعبنا في كردستان سوريا لا يكون إلا عبر الحوار المباشر مع العاصمة دمشق، على قاعدة سياسية وحقوقية واضحة، تستند إلى المواثيق الدولية، وخاصة مبدأ حق تقرير المصير، كما نصّت عليه الشرعية الدولية، وكما يطالب به شعبنا. لسنا في موقع عداء مع أحد، ولكننا نرفض أن تكون قضيّتنا ورقة تفاوض بيد غيرنا، أو بندًا تابعًا في مشاريع إقليمية لا تخدم قضيتنا الجوهرية.

إنني ضد التبعية العمياء، وضد من يبررها أو يروّج لها. فمن يمتهن الدفاع عن التبعية، يساهم في إدامة الانقسام والجمود. أغلب حركتنا السياسية، للأسف، ما زالت مغموسة بهذه التبعية، ولا تملك الجرأة على الخروج منها. ولكن المستقبل لا يُبنى على الخوف، بل على الوعي والإرادة.

نريد علاقات متوازنة مع هولير والسليمانية وقنديل، قائمة على الاحترام المتبادل، والتنسيق الحر، لا على الخضوع والإملاء. نريد شراكة قومية لا وصاية حزبية. نريد قرارًا ينبثق من حاجاتنا الواقعية، ومن صميم تطلعاتنا في كردستان سوريا، لا من مقرات سياسية تقع خارج حدودنا.

إن استقلالية القرار السياسي ليست ترفًا نظريًا، بل شرط أساسي لأي مشروع وطني حقيقي. فمن لا يملك إرادته، لن يملك مستقبله. ومن لا يجرؤ على التحرر من التبعية، لن يصنع يومًا حريته.

وبهذه الإرادة، نخوض معركة الاستقلال السياسي، لا ضد أحد، بل من أجل شعبنا، من أجل حقوقه، من أجل مستقبله.