قرار العمال الكوردستاني والتحولات الإقليمية

بقلم : نضال دلو – ناشط سياسي

في ظل الظروف الحالية المعقدة والمليئة بالتحديات، جاء قرار حزب العمال الكردستاني (PKK) بإلقاء السلاح استجابةً لطلب زعيمه عبدالله أوجلان في هذه المرحلة العصيبة، ليكون محور نقاشات سياسية عميقة. يترافق هذا القرار مع مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة عامة وتركيا على وجه الخصوص، الأمر الذي كان محل شكوك المراقبين، خاصة أن نقطة البداية كانت من دعوة زعيم الحركة القومية اليمينية المتطرفة دولت بهتشلي، المعادي لكلمة “الكُرد” منذ 40 عامًا. فما الذي جرى؟

 

– السياق السياسي المعقد

يأتي قرار حزب العمال الكردستاني في وقت يتسم بتغيرات جذرية في المنطقة، خاصة بعد هجمات حركة حماس على إسرائيل بتوجيه إيراني، والتي كانت نوعية ومغايرة لطرق حركة حماس القديمة، مما أدى إلى اتخاذ خطوات جدية واستراتيجية من قبل إسرائيل في إطلاق مشروعها الأمني في المنطقة، والذي يكمن في ضرب إيران وأذرعها كمرحلة أولى، ومن ثم المباشرة في رسم واقع جغرافي جديد في المنطقة.

وإدراكًا للوضع، وكخطوة احترازية من قبل تركيا وبريطانيا في مواجهة المشروع الإسرائيلي، قامت تركيا -وعبر دولت بهتشلي– بإطلاق دعوة للسلام مع حزب العمال الكردستاني، عبر مناشدة عبدالله أوجلان المعتقل منذ 25 عامًا، بدعوة حزبه لإلقاء السلاح والجنوح إلى السياسة. والمعروف عن دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية التركي، أنه أحد الشخصيات الأساسية في رسم السياسات القومية المتشددة ضد الكرد والقضية الكردية في تركيا وشمال كردستان.

 

– بروز مصالح تركيا وبريطانيا ودورهما فيما يجري في سوريا والعراق

 

أولًا: السيطرة على النفط

تسعى بريطانيا من خلال شركاتها النفطية، خاصة British Petroleum، إلى الهيمنة على نقل النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي. هذه الاستراتيجية تعكس رغبة لندن في تعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة، مما يهدد مصالح الكرد الذين يسعون لاستقلالهم. وكنتيجة حتمية، فإن هذه السيطرة والاستحواذ من قبل بريطانيا وتركيا ونفوذهما، ستؤدي إلى تقويض أي جهود لتحقيق حكم ذاتي أو دولة كردية في قادم الأيام بسبب تقاطع المصالح.

 

ثانيًا: الكوريدور الأمني

قامت تركيا وبريطانيا بإنشاء “كوريدور أمني” يمتد على طول الحدود بين سوريا والعراق، والذي كان يهدف إلى مواجهة أي تحركات كردية مستقبلية، خاصة بعد التحولات التي شهدتها سوريا. إن هذا الكوريدور يُعتبر جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز السيطرة على المنطقة واحتواء أي تحركات قد تهدد المصالح التركية والبريطانية.

 

– دور إسرائيل في مواجهة خطط تركيا وبريطانيا

في هذه الأثناء، تلعب إسرائيل دورًا متزايد الأهمية في الصراع الإقليمي. من خلال مواجهة المشروع البريطاني التركي في سوريا والعراق، تسعى إسرائيل إلى تحجيم نفوذ إيران وأذرعها مثل حزب الله. إن حربها ضد حماس، ومحاولاتها للحد من تأثير الحشد الشعبي في العراق، تعكس استراتيجية شاملة تهدف إلى إعادة تشكيل معالم المنطقة.

 

– مشروع كوريدور داوود

يسعى المشروع الإسرائيلي المعروف باسم “كوريدور داوود” إلى إنشاء ممر يمتد من حدودها مع السويداء إلى المناطق الحدودية مع العراق، مما يعزز من موقفها الاستراتيجي. هذا المشروع يعكس تصورات إسرائيلية حول إعادة تقسيم المنطقة، ويزيد من التعقيدات المحيطة بالمسألة الكردية.

 

– في الصعيد الكردي السياسي

لطالما تشدقت قيادة حزب العمال الكردستاني على مدى 52 عامًا بمسألة الكفاح المسلح وأهمية مواجهة المحتل بالقوة، وجنّدت وسوّقت عشرات الآلاف من الشباب الكرد في معاركها ضد الدولة التركية، والتي راح ضحيتها ما يقارب 100 ألف شهيد حسب إحصائيات الحزب نفسه. إذاً، لماذا سيتخلى الحزب عن السلاح والكفاح المسلح؟ في الوقت الذي تقوم فيه كل القوى الإقليمية والمحلية بالتجييش والتسليح، بغية مواجهة رياح التغيير القادمة قريبًا.

لذلك، أصبح واضحًا للعيان إشكالية وجود حزب العمال الكردستاني، والذي أصبح وبالًا على القضية الكردية، وورقة ضغط بيد أعداء الكرد تُستخدم للتدخل في الجغرافيا الكردستانية وتحجيم القضية الكردية، خاصة من قبل دولة الاحتلال التركي. فقد عُرف حزب العمال الكردستاني كأداة تستخدمها تركيا في سياستها الخارجية، وكان يُعتبر “حصان طروادة” للدخول إلى المناطق الكردية، مما يجعل من الصعب على الكرد تحقيق حقوقهم.

فلنسأل أنفسنا هذا السؤال: ترى لو كان عبدالله أوجلان يشكل خطرًا على تركيا، لماذا لم تقم تركيا باستهدافه في سنوات إقامته في دمشق؟ في الوقت الذي كانت وفود مخابراتها تجري مباحثات معه في مقره الكائن بصحنايا في ريف دمشق، ناهيك عن زيارته من قبل الصحفيين عشرات المرات؟

 

– التغيرات المرحلية وتأثيرها على المستقبل

تعيش المنطقة في مرحلة حرجة من التغيرات التي قد تحدد مستقبلها، وليعلم الكرد أن التعاون بين تركيا وبريطانيا هدفه تقويض أي فرص لإقامة دولة كردية، مما يستدعي من الكرد اتخاذ خطوات استراتيجية للحفاظ على حقوقهم. يجب أن يكون هناك وعي كامل بالتحديات المقبلة، مع ضرورة التحلي بالحذر والذكاء، وأن يتفق الكرد على اختيار الحلفاء المناسبين في الوقت والزمان والمكان المناسب.

 

فالكرد أمام خيارين:

1- مسايرة تركيا وبريطانيا والإبقاء على الحدود الحالية وفقدان الحلم الكردي في إنشاء دولة قومية.

2- أو مسايرة رياح التغيير التي تقودها إسرائيل وأمريكا في رسم واقع جديد من شأنه حصول الكرد على حقهم في إقامة دولتهم على أرضهم التاريخية.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب