قصة تأسيس أول حزب كوردي كما رواها المناضل الراحل رشيد حمو.

بمناسبة مرور 68 سنة على تأسيس أول حزب كوردي في كوردستان سوريا، وقصة التأسيس كما رواها المناضل الراحل رشيد حمو، أحد أبرز المؤسسين لأول تنظيم كوردي في سوريا (الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا).

وهنا يقول:

رأيت أن أسرد قصة نشوء الحزب الذي كان لي شرف المشاركة في تأسيسه كما عشتها وأعرفها، علّها تساعد على إظهار الحقيقة للملأ.

 

للحقيقة يُقال إن فكرة تشكيل حزب سياسي كوردي في سوريا كانت تدور في رأس “عثمان صبري” منذ زمن بعيد، ففي عام 1953 التقى بي في منزل “محمد علي خوجة” في حلب، وعرض عليّ الفكرة طالبًا مني التعاون معه لتشكيل حزب كهذا، غير أنني اعتذرت له ولم أبدِ استعدادي للعمل معه، كوني كنت منظمًا آنذاك في الحزب الشيوعي السوري.

 

وفي عام 1956 خرجتُ من صفوف هذا الحزب (أعني الحزب الشيوعي)، كما خرج من صفوفه العديد من الكوادر الحزبية من الأكراد، بسبب خلاف نشأ بيننا وبينه حول موقف الحزب من المسألة الكوردية في سوريا. وبعد انسحابي من الحزب بفترة، تلقيتُ من عثمان رسالة يدعوني فيها إلى اللقاء به في دمشق، ويبدو أنه كان قد سمع بخروجي وخروج بعض الرفاق الآخرين من صفوف الحزب الشيوعي، وبأنني سأتجاوب معه هذه المرة لتأسيس حزب سياسي كوردي، كان عثمان يحلم به من زمن بعيد، كما ذكرت.

 

وعندما التقيتُ به في دمشق عرض عليّ الفكرة من جديد، وطلب مني التعاون معه، وأوحى إليّ حينها بأن شخصًا من أمثال “جلال الطالباني” و”عيسى الذبيحي”، اللذين كانا يقيمان في دمشق آنذاك، والدكتور “نور الدين ظاظا”، يشجعون على تشكيل حزب كوردي في سوريا، على غرار الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق. كما قال إن أشخاصًا آخرين من الجزيرة يؤيدونه في الفكرة، وذكر لي أسماء بعضهم، أتذكر منهم (الشيخ محمد علي – محمد صالح حاج درويش – مجيد حسين – عبد الرحيم محمد عبدي – حميد حاج درويش – حمزة نويران وغيرهم). لقد فهمتُ من عثمان في هذا اللقاء الذي جرى عام 1956 أن فكرة تأسيس حزب قومي كوردي في سوريا قد اختمرت في رأسه، وأن أشخاصًا من دمشق والجزيرة يؤيدونه في الفكرة، ولكن الحزب لم يكن له وجود بعد، فقد كان يبحث عن أشخاص يتمتعون بمؤهلات سياسية وتنظيمية وفكرية كافية ليتعاون معهم في سبيل تشكيل الحزب المنشود وإخراج الفكرة إلى حيّز العمل.

 

وأطلعني في هذا اللقاء على نص لمنهاج سياسي للحزب المراد تأسيسه، كان قد أعدّه بنفسه سلفًا، فقرأتُ المنهاج، فوجدته غير ملائم للظروف السياسية القائمة في البلاد آنذاك.

 

لقد فهمتُ منه أن أشخاصًا من كورد الجزيرة يمنحونه تأييدهم لتشكيل حزب سياسي كوردي، ولكن – كما فهمت منه – أن هؤلاء الأشخاص لا يتمتعون، في تقديره، بالمؤهلات السياسية والتنظيمية الكافية لكي يقوموا بتشكيل حزب سياسي وتطويره.

 

لهذا، كان عثمان يحاول إقناعي بالعمل معه، لكي يستفيد من إمكانياتي الشخصية، ومن تجاربي العملية التي اكتسبتها خلال عملي في صفوف الحزب الشيوعي السوري.

 

تباحثنا في الظروف السياسية القائمة آنذاك، فرأيناها ملائمة، بل مشجعة على تأسيس حزب قومي كوردي، ولكن الحزب الشيوعي، الذي كان يتمتع في تلك المرحلة بنفوذ سياسي واسع وسمعة عالية في البلاد، كان سيُناهض فكرة تأسيس مثل هذا الحزب، وخصوصًا بسبب وجود خلاف بيننا وبينه حول موقفه من المسألة الكوردية في سوريا. ولكي نتمكن من مواجهة هذه المشاكل، كان ينبغي أن تكون النواة الأولى لقيادة الحزب – على الأقل – متسلحة بالوعي وبخبرة كافية في الشؤون السياسية والتنظيمية الحزبية، ورأينا أن من الضروري محاولة إقناع ثلاثة أشخاص آخرين في حلب، وهم (محمد علي خوجة، وخليل محمد، وشوكت حنان)، بالعمل معنا، لكونهم يملكون تجربة سياسية وحزبية اكتسبوها من خلال عملهم في صفوف الحزب الشيوعي لفترة طويلة نسبيًا.

 

اتفقتُ مع عثمان في هذا اللقاء على أمرين:

 

أولًا: أن أقوم بمحاولة إقناع الأشخاص الثلاثة (الذين ذكرتُ أسماؤهم) في حلب للعمل معنا.

 

ثانيًا: في حال قبولنا جميعًا بالعمل على تشكيل هذا الحزب، ينبغي تغيير المنهاج المُعدّ من قبل عثمان، لعدم ملاءمته مع الظروف القائمة في البلاد.

 

وعند عودتي إلى حلب، عرضتُ المسألة على الرفاق الثلاثة المذكورين، فدرسوها من أوجهها المختلفة، وفي النهاية جرى قبولها من قبلهم، وأبدوا استعدادهم لتأسيس الحزب المرجو.

 

فأعلمتُ عثمان بالأمر، وباشرنا بالعمل، وسرعان ما التفت حولنا جميع الكوادر والعناصر الذين كانوا قد خرجوا من صفوف الحزب الشيوعي. وبمباشرتنا بالعمل في حلب ومنطقة عفرين، بدأ الأشخاص الذين كانوا يؤيدون عثمان على فكرته بنشر الدعاية للحزب في منطقة الجزيرة.

 

في رأيي، إن الاجتماع الذي عُقد في حلب بتاريخ 14 حزيران (1957)، والذي حضره سبعة رفاق (عثمان صبري – رشيد حمو – محمد علي خوجة – خليل محمد – شوكت حنان – حميد حاج درويش – حمزة نويران)، واعتُبر تاريخ ميلاد الحزب، كان اجتماع الهيئة المؤسسة للحزب، وليس اجتماع اللجنة المركزية، لأن اللجان المركزية للحزب يُجري انتخابها عادة أثناء مؤتمرات الحزب، وبما أن مؤتمرًا للحزب لم يُعقد قبل هذا التاريخ ليُجري فيه انتخاب اللجنة المركزية، لذلك لا يجوز تسمية هذه اللجنة باللجنة المركزية للحزب، بل أُطلِق عليها هذا الاسم مجازًا.

 

وقد غاب عن هذا الاجتماع الشيخ “محمد عيسى”، الذي كان يعتبر نفسه كذلك من مؤسسي الحزب، لكونه كان قد ذهب لأداء العمرة في السعودية.

 

ولأهمية دور رفاق حلب “الأربعة” في تأسيس الحزب، فقد أُسنِد إليهم القيام بمهام المكتب السياسي في الحزب، كما انتُخب الرفيق “عثمان صبري” سكرتيرًا للحزب.

 

وبخصوص الدكتور “نور الدين ظاظا”، الذي انضم إلى الحزب عام (1958)، فبسبب مؤهلاته وحماسه وتأييده المطلق لفكرة تشكيل حزب سياسي كوردي في سوريا، فقد جرى انتخابه رئيسًا للحزب، ولعب دورًا بارزًا في حياته في السنوات اللاحقة.

 

وبهذا القدر أكتفي، معتقدًا أنني أظهرتُ حقيقة من كان المؤسسون الحقيقيون للحزب.

 

مركز رشيد حمو الثقافي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *