بقلم : سليمان سليمان – منسق حركة السلام الكوردستاني
يبدو أن سوريا تتجه بخطى متسارعة نحو مزيد من الفوضى وانعدام الاستقرار، خاصة بعد أن شعر أحمد الشرع ،المعروف سابقًا بالجولاني بنوع من الأمان السياسي والدعم الإقليمي والدولي. هذا الشعور بدأ يترجم إلى واقع دموي، من خلال تصاعد حالات الخطف والقتل ورمي الجثث في الطرقات، في مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ مراحل الحرب.
لا يمكن القول إن سوريا اليوم أفضل من سوريا الأمس. فبينما تغيرت بعض الوجوه وتبدلت أدوات القمع، فإن جوهر الاستبداد لم يتغير، بل ربما ازداد سوءًا. اللون الواحد ما زال مفروضًا، والمآسي مستمرة، وكم الأفواه لم يتوقف.
تاريخيًا، لم تعرف أي جماعة دينية متطرفة بأنها جلبت الحرية للشعوب، أو فسحت المجال أمام الناس للتعبير عن آرائهم دون خوف. وما نراه اليوم من جماعة أحمد الشرع ،التي تضم عشرات الفصائل المتطرفة العابرة للقارات والمدعومة من دول إقليمية (تركيا وقطر) وبمباركة دول غربية يؤكد أن الأمل في دولة ديمقراطية حرّة بات حلمًا بعيد المنال. فالتعدد مرفوض، والمواقع الحساسة محجوزة لأصحاب اللحى، ولكل أمير من أمراء الجماعات المتطرفة مكانة محفوظة، بحسب “إنجازاته” في القتل والتطرف.
الجولاني، الذي تحوّل إلى “أحمد الشرع” بين ليلة وضحاها، ليس إلا امتدادًا لنهج بشار الأسد، بل ربما أسوأ منه في بعض الجوانب. كلاهما اعتمد العنف وسيلة للحكم، وكلاهما لا يؤمن بالحرية ولا بالتعدد.
أما بالنسبة للشعب الكوردي، فما دام تركيا خلف أحمد الشرع، فإن أي اعتراف بحقوقه يبدو مستبعدًا تمامًا. بل إن كل مرونة يظهرها في بعض المواقف ليست إلا تكتيكًا مؤقتًا لتثبيت أقدامه، ليعود بعدها إلى موقفه الحقيقي الرافض لأي وجود كوردي مستقل أو حتى معترف به. وهذا ما تؤكده مواقف معظم أطراف “المعارضة السورية”، التي تقف خلفه بصمت، وترفض من الأساس أي حقوق قومية للكورد.
الخطاب الإعلامي على وسائل التواصل، وحتى على مستوى الإعلام العربي والسوري، يعكس حجم الحقد والسمّ الموجه ضد الشعب الكوردي، مما يؤكد أن المرحلة القادمة قد تكون أكثر قسوة.
لذلك، وفي ظل هذا المصير المجهول، فإن على الحركة السياسية الكوردية أن تدرك خطورة المرحلة وتعمل على تقوية جبهتها الداخلية أولًا، وتعزيز التحالفات مع الأقليات والطوائف الأخرى: من علويين ودروز ومسيحيين. فجميع هذه المكونات مستهدفة بالتساوي من قبل مشروع الجولاني وفصائله المتطرفة.
لقد انتهى زمن البكاء على أبواب دمشق، ولم تعد الاتفاقيات الفردية مجدية، بل تضعف الموقف الكوردي وتمنح الشرعية لمخططات الجولاني، الذي أصبح محصنًا باتفاقياته الإقليمية وتنازلاته الدولية.
وعلى المستوى الدولي، فلا يبدو أن إسرائيل مستعدة للتخلي عن النظام السوري الجديد، ممثلًا بأحمد الشرع، لصالح الشعب السوري عامة، أو الشعب الكوردي خاصة. طالما أنه ينفذ الأجندات الإسرائيلية دون تردد، سواء فيما يخص ملف التطبيع أو حتى مسألة التنازل عن الجولان.
كل هذه الملفات، وغيرها الكثير، تؤكد أن الرهان على أي دعم خارجي هو وهم، وأن الانقسام داخل الصف الكوردي سيكون بمثابة انتحار سياسي. الوحدة الكوردية، والتنسيق مع باقي المكونات المهمّشة، هو الطريق الوحيد للحفاظ على الوجود والحقوق.
أعتقد ان الشعار الذي تم اعتماده مؤخرًا كنموذج رسمي في سوريا، تحت سلطة جماعة الجولاني، والذي لا يعكس وحدة السوريين ولا تنوعهم، وانما يمثل نمطًا جديدًا من فرض الرأي والإقصاء المتعمد لدور ومكانة الآخرين.شعار لا يوحي بالتعددية، بل يؤكد على استمرار الذهنية الإقصائية، وإنْ تغيّر الشكل وتبدّلت الوجوه .
فكونوا على قدر المسؤولية .
