تُعدّ الحركة السياسية الكوردية في سوريا من المكونات الأساسية للمشهد السياسي في البلاد، وقد تطورت على مدى عقود من النضال، في ظل ظروف من التهميش والاضطهاد القومي. ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، شهدت هذه الحركة تحولًا جذريًا في دورها وموقعها السياسي.
مع بدء الحراك الشعبي، وجد الكورد فرصة للتعبير عن هويتهم القومية والمطالبة بحقوقهم السياسية والثقافية، فبدأت الأحزاب الكوردية في تنظيم صفوفها وتكثيف جهودها لتوحيد الصوت الكوردي. وأدى غياب الدولة في مناطق شمال وشمال شرق سوريا إلى بروز تجربة الإدارة الذاتية، التي أُعلن عنها رسميًا عام 2014 كمشروع سياسي واجتماعي يحاول ملء الفراغ الإداري وتوفير الأمن والخدمات.
شكلت هذه الإدارة تجربة فريدة في التاريخ السياسي الكوردي السوري، لكنها واجهت تحديات داخلية وخارجية متزايدة، أبرزها الانقسامات بين القوى الكوردية، خصوصًا بين المجلس الوطني الكوردي المدعوم من إقليم كوردستان العراق، وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي يقود الإدارة الذاتية. هذه الانقسامات أضعفت الموقف الكوردي الموحد، وفتحت المجال أمام التدخلات الإقليمية، خاصة من قبل تركيا التي ترى في وحدات حماية الشعب (YPG) تهديدًا لأمنها القومي، وتواصل تنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية حتى اليوم.
وعلى الصعيد الدولي، ورغم أن القوات الكوردية لعبت دورًا حاسمًا في دحر تنظيم داعش، خاصة في معركة الرقة وعين عيسى، فإن المجتمع الدولي لم يترجم هذا الدعم الميداني إلى اعتراف سياسي واضح بالإدارة الذاتية، ولا بمطالب الكورد في الحكم الذاتي أو الحقوق القومية. بل إن الولايات المتحدة خفّضت وجودها العسكري تدريجيًا، ما زاد من حالة القلق داخل المجتمع الكوردي بشأن مصيرهم في أي تسوية سياسية مقبلة.
أما على مستوى العلاقة مع المكونات السورية الأخرى، فقد سعت القوى الكوردية إلى بناء تحالفات مع فصائل من المعارضة السورية، لا سيما في إطار “مجلس سوريا الديمقراطية”، لكن التباينات في الرؤى تجاه شكل الدولة السورية المستقبلية ظلت تشكل عائقًا أمام تحقيق شراكة حقيقية ومستقرة. وتبقى المخاوف قائمة من أن يتم تهميش القضية الكوردية مجددًا في حال تم التوصل إلى أي حل سياسي ترعاه القوى الدولية والإقليمية.
وفي ظل التطورات الجيوسياسية المتلاحقة، خاصة بعد تطبيع بعض الدول العربية مع النظام السوري، وعودة دمشق إلى الجامعة العربية، بات الكورد في سوريا أمام تحدٍ مزدوج: الحفاظ على مكتسباتهم المحلية، والسعي نحو اعتراف سياسي أوسع في ظل واقع دولي غير مستقر.
النضال الكوردي في سوريا يشكل اليوم قضية إلى أبعد من ان تكون قضية قومية بل من اجل قضية حقوق إنسانية، قضية تعلق الانسان بأرض اجداده. ولهذا يتطلب من المجتمع الدولي والمعارضة السورية تبني مقاربة عادلة تحترم تنوع سوريا القومي والثقافي. لقد مثّلت الأزمة السورية فرصة نادرة للكورد لإبراز هويتهم وإدارة مناطقهم، لكنها أظهرت في الوقت نفسه هشاشة المشروع السياسي في ظل غياب الدعم الدولي والانقسام الداخلي.
ويبقى المستقبل الكوردي في سوريا رهينًا بالمتغيرات الإقليمية والدولية، وبقدرة الكورد أنفسهم على التوحد، والانخراط الفعال في العملية السياسية الشاملة التي ترسم ملامح سوريا ما بعد الحرب.
عباس حمدوش
عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)