فرهاد حبش
بعد سقوط نظام الأسد، تغيّرت العديد من المفاهيم والمواقف لدى الأطراف والتيارات السياسية، وكذلك لدى القوى الإقليمية والدولية تجاه ما يحدث في سوريا. لذا أعادت هذه الأطراف تحديد مواقعها وسياساتها بما يتوافق مع مصالحها في الساحة السورية.
وتنطبق هذه الحالة على الحركة السياسية الكوردية في سوريا، شأنها شأن باقي الأطراف والجهات المتصارعة داخلياً وخارجياً. وهنا يبرز السؤال الأهم: ما مستقبل الأحزاب الكوردية بعد سقوط النظام؟ وهل ستشهد المرحلة المقبلة عمليات اندماج وتوحيد بين الأحزاب الصغيرة؟
منذ بداية الأزمة السورية، انقسمت الحركة السياسية الكوردية في مواقفها تجاه الأحداث إلى قسمين: فبعضها وقف إلى جانب المعارضة السورية، بينما فضّل البعض الآخر تجنّب إطلاق صفة “المعارضة” على نفسه. هذا الانقسام السياسي انعكس تنظيمياً على بنية الحركة، فزاد من تشرذمها وتباعدها.
ومن بين العوامل الأخرى التي ساهمت في تعميق هذا الانقسام، عدم استعداد بعض القيادات للتنازل عن المناصب التنظيمية، مثل مواقع “السكرتير” أو “المكتب السياسي”، مما حال دون تحقيق وحدة حقيقية داخل الصف الكوردي.
وازداد هذا الانقسام والتشرذم إلى أن بلغ عدد الأحزاب الكوردية نحو ستين حزبا أو أكثر، وهو عدد لا يلبّي طموحات الشعب الكوردي في تحقيق مطالبه، خاصة وأن بعض هذه الأحزاب لا يتجاوز عدد أعضائها عشرة أشخاص فقط.
لكن بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، تغيّر السلوك السياسي للأحزاب الكوردية وطريقة تفكيرها، وتسارعت وتيرة الحوار بين المجلس الوطني الكوردي وأحزاب الإدارة الذاتية، إلى أن توصل الطرفان إلى انعقاد مؤتمر وحدة الصف والموقف الكوردي في 26 نيسان بمدينة قامشلو في كوردستان سوريا.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط توحيد الرؤية السياسية الكوردية، وإنما أيضاً تقليل هذا الكم الهائل من الأحزاب ودمج بعضها ببعض من خلال التقارب بين الأحزاب المتشابهة، بحيث تستطيع على الأقل المشاركة في الانتخابات التشريعية والاستفادة من قانون الأحزاب في سوريا، لتقوية بنيتها التنظيمية والجماهيريّة، ولتكون هناك أحزاب ذات ثقل جماهيري، قادرة على كسب عدد كبير من المقاعد البرلمانية داخل البرلمان السوري. أما إذا لم يتحقق ذلك، فاعتقادي أننا لن نستطيع الفوز حتى بمقعد واحد داخل المناطق الكوردية في كوردستان سوريا.
إن مستقبل الحركة السياسية الكوردية في سوريا مرهون بقدرتها على تجاوز حالة التشرذم والانقسام التي عانت منها لعقود، وبإمكانها تحقيق ذلك من خلال توحيد الصفوف ودمج الأحزاب المتقاربة سياسياً وتنظيمياً. فالتحديات التي تواجه الكورد اليوم في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد تتطلب رؤية سياسية واضحة، وإرادة حقيقية لتعزيز القوة الجماهيرية والسياسية، بما يضمن لهم تمثيلاً فاعلاً في الحياة السياسية السورية.
ويبقى السؤال: هل سنشهد دخول الأحزاب الكوردية هذه المرحلة من الاندماج، أم سنستمر في حالة التشرذم والانقسام؟
