عبدالرحمن حبش – سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا (الپارتي)
لم يعد موسم الزيتون في عفرين مناسبة للرزق والعمل كما كان لعقود طويلة، بل تحول إلى موسم للنهب المنظم والسطو الممنهج على ممتلكات المواطنين الكُورد، تحت إشراف مباشر من ما يُعرف بـ“المكتب الاقتصادي التابع لحكومة الجولاني، وبتنفيذ ميداني من قبل الفصائل المسلحة المرتزقة الموالية للدولة التركية.
منذ سيطرة الفصائل المسلحة على مدينة عفرين عام 2018، يعيش الأهالي تحت نظام من الاستغلال الاقتصادي والابتزاز المعيشي غير المسبوق. هذه الممارسات تتجسد اليوم في فرض ضرائب قسرية، ومصادرة كميات كبيرة من الزيت والزيتون، وتوزيعها على قادة الفصائل والمكاتب الأمنية، في ظل غياب تام لأي سلطة قانونية أو محاسبة.
المكتب الاقتصادي الذي يُفترض أن يكون جهة تنظيمية وإدارية، تحول إلى أداة للنهب تحت غطاء الإدارة المدنية. يفرض هذا المكتب نسباً من الإنتاج على الفلاحين تتراوح بين 20 إلى 50 بالمئة من المحصول، بذريعة دعم الخدمات أو تمويل الجبهات في حين تُباع هذه الكميات لاحقاً في الأسواق التركية أو عبر سماسرة مرتبطين بالفصائل المسلحة والإدارة السلطة بعفرين
اللافت أن هذه الممارسات لم تعد خفية، بل تجري علناً وبمشاركة مسؤولي ما يسمى بالإدارة المحلية لحكومة الجولاني، في مشهد يعكس حالة الفوضى القانونية وتفكك المؤسسات الرقابية. المواطن الكوردي في عفرين بات بلا حماية ولا صوت، إذ يتعرض لملاحقات وتهديدات في حال اعتراضه على قرارات المكتب الاقتصادي أو رفضه تسليم محصوله.
ما يحدث في عفرين اليوم هو نموذج مصغّر لاقتصاد الحرب القائم على النهب والتهجير والتغيير الديموغرافي. فالسيطرة على الثروة الزراعية وخاصة الزيتون ليست مجرد وسيلة تمويل للفصائل، بل جزء من سياسة ممنهجة لإفراغ المنطقة من سكانها الأصليين وتحويلها إلى مصدر تمويل دائم للفصائل المسلحة وأذرعه المحلية.
إن غياب القانون والمحاسبة في عفرين، واستمرار المجتمع الدولي في تجاهل هذه الجرائم، يفتح الباب أمام ترسيخ نظام اقتصادي مافيوي قائم على النهب والإتاوات. وهو ما يجعل من عفرين منطقة خارجة عن كل المعايير القانونية والإنسانية، لا يحكمها سوى منطق السلاح والابتزاز.
ختاماً، لا يمكن الحديث عن استقرار أو مصالحة في الشمال السوري ما لم تُعاد الحقوق إلى أصحابها ويُحاسب المسؤولون عن هذه الانتهاكات. فإعادة الزيتون إلى جذوره في عفرين، هي أول خطوة نحو إعادة العدالة إلى هذه الأرض التي كانت رمزاً للسلام والعمل والإنتاج.
19 / 10 /2025
