تجاهل معاناة المناطق الكوردية الأخرى وغياب التنسيق في المواقف الإستراتيجية 

بقلم : عبدالرحمن حبش

تتزايد الأزمات السياسية التي يعاني منها الشعب الكوردي في سوريا، ويتزايد في الوقت ذاته دور الممثلين والوفود الكوردية في حوارات ولقاءات السياسية وفي مؤتمرات الدولية والمحلية كوسيلة رئيسية لنقل صوت هذا الشعب إلى الساحة السياسية وخاصة مع حكومة في دمشق.

ورغم هذا الدور المهم، إلا أن بعض التصريحات للوفد الكوردي المشترك تُظهر تركيزاً ملحوظاً على محافظة الحسكة، مما يتسبب في إغفال معاناة المناطق الكوردية الأخرى التي تواجه تحديات كبيرة، مثل عفرين، أعزاز، الباب، تل حاصل، تلعران، وريف حلب.

من المهم أن نلقي الضوء على هذا التوجه الذي قد تكون له تداعيات خطيرة على وحدة الموقف الكوردي ويؤثر في قدرتنا على التصدي للتحديات الإقليمية والدولية التي تواجه الكورد في سوريا. فالتركيز المفرط على محافظة الحسكة، رغم أهميتها الستراتيجية والديموغرافية، قد يؤدي إلى إغفال واقع معاناة المناطق الكوردية الأخرى التي تعيش تحت ظروف قاسية.

منذ الهجوم التركي على عفرين في 2018، تعرضت المنطقة لتدمير هائل في بنيتها التحتية وتهجير قسري للسكان الكورد، بموازاة التغيير الديموغرافي الذي تم فرضه في المنطقة. هذه التطورات جعلت الوضع الكوردي في عفرين أكثر تعقيداً، حيث لايزال السكان المحليون يعانون من القمع المستمر والتهديدات اليومية من قبل القوات المسلحة المدعومة من تركيا.

وفي مناطق مثل أعزاز والباب في ريف حلب الشمالي، لا يزال الكورد يعانون من فقدان السيطرة على أراضيهم بسبب التدخلات التركية، إضافة إلى الهيمنة المستمرة للجماعات المسلحة التي تواصل فرض سيطرتها بالقوة على السكان المحليين. هذه المجموعات تمارس ضغوطاً شديدة على الناشطين والمواطنين الكورد مما يعمق الأزمة الإنسانية في تلك المناطق.

التحديات المشتركة في مناطق الكوردية مثل تل حاصل وتلعران في ريف حلب لا تخلو هي الأخرى من الصراعات المسلحة التي تؤثر بشكل مباشر على حياة السكان المحليين. حيث تسعى الأطراف المختلفة للسيطرة على الأراضي في هذه المناطق، مما يزيد من معاناة المدنيين. هؤلاء المواطنون يعانون من تهجير قسري مستمر، في ظل غياب فرص سياسية أو اجتماعية واضحة.

إن وجود الفصائل المسلحة المرتزقة، سواء المدعومة من تركيا أو من قوى إقليمية أخرى، يعقد الوضع الكوردي بشكل كبير. هذه الفصائل تفرض واقعاً قسرياً على السكان من خلال التفجيرات والقتل والسلب، مما يعمق معاناتهم. ورغم هذه الظروف الصعبة، يظل غياب التصريحات الواضحة من الوفد الكوردي بشأن هذا الوجود العسكري على الأرض علامة استفهام كبيرة. إن عدم تناول هذه القضية يعوق بناء موقف دولي قوي يدافع عن حقوق المدنيين الكورد ويعزز من حماية أمنهم.

لا يمكن للوفد الكوردي أن يتخذ خطوات فعالة نحو تحسين الوضع الكوردي في سوريا ما لم يتبنى رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار كل المناطق الكوردية، بما في ذلك تلك التي تحت النفوذ التركي أو أي قوة إقليمية أخرى. من الضروري أن يسعى الوفد الكوردي إلى التنسيق والتعاون بين القوى السياسية الكوردية المختلفة، سواء في الداخل أو الخارج، للوصول إلى حلول استراتيجية تحقق الاستقرار وحقوق المواطنين الكورد.

إن التركيز على مشكلة واحدة دون النظر إلى باقي المناطق قد يؤدي إلى انقسامات بين الفصائل والمجتمعات الكوردية، وهو ما يعقد من مهمة الدفاع عن حقوق الكورد في سوريا. الوحدة والتنسيق بين جميع الأطراف الكوردية يعدان شرطًا أساسيًا لتحقيق تقدم حقيقي في القضايا الكوردية .

إن تصعيد الحوار حول معاناة الكورد في جميع مناطقهم هو أمر بالغ الأهمية لتسليط الضوء على الأوضاع الإنسانية والسياسية التي يواجهها المواطنون الكورد في سوريا. يجب أن تتجاوز الأولوية محافظة الحسكة، ويجب أن يكون الهدف هو التوصل إلى حلول شاملة تعكس الواقع في كافة المناطق الكوردية . تعزيز وحدة الصف الكوردي، سواء سياسياً، اجتماعياً، أو إنسانياً، هو الطريق الأساسي نحو تحقيق العدالة والحرية للشعب الكوردي في سوريا.