بقلم : عبدالرحمن حبش – سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا (الپارتي)
في ظل تصاعد التوترات الأمنية في الجنوب السوري وتحديداً في محافظة السويداء تفرض الوقائع نفسها على الجميع، وتدفع إلى طرح أسئلة مشروعة تتعلّق بطبيعة السلطة وحدود السيادة وازدواجية المعايير في التعامل مع حاملي السلاح.
ففي الوقت الذي ترفع فيه الدولة شعارات السيادة ووحدة القرار الوطني تُمارَس على الأرض سياسات تشي بعكس ذلك تماماً وتكرّس حالة من الانقسام والتفكك وتُبقي منطق القوة والسلاح هو الحاكم الفعلي لمصير المجتمعات المحلية.
أمام هذا المشهد، يبرز تساؤل محوري لماذا يُعتبر سلاح أبناء الطائفة الدرزية سلاحاً غير شرعي وخارجاً عن القانون في حين يُغضّ الطرف عن سلاح العشائر البدوية بل ويُشرعن أحياناً في إطار ما يُعرف بـ القوى الرديفة أو اللجان المحلية؟ كيف يمكن تفسير هذه الانتقائية القانونية والسياسية في توصيف السلاح وتحديد مشروعيته؟ وهل ما ينطبق على منطقة أو مكون لا ينطبق على آخر؟.
على المستوى الجغرافي تبدو معايير بسط السيادة أيضاً موضع تساؤل. فالدولة تسعى لفرض حضورها داخل المخطط التنظيمي لمدينة السويداء لكنها لا تجرؤ على التمدد خارج هذا الإطار ولو بأمتار. وإذا كانت بالفعل تمارس سيادتها كما تدّعي، فلماذا لا تتدخل لمنع التحشيد العشائري العلني والتهديدات التي تُطلق من داخل الأراضي السورية وباسمها؟ وأين مؤسسات الدولة حين تُعلن العشائر النفير وتُنذر بالحرب وكأنها كيانات مستقلة داخل دولة يفترض أنها موحدة؟.
الخطاب السياسي الرسمي يزيد من تعقيد المشهد. فالرئيس السوري يؤكد في خطاباته على ضرورة تمتين الجبهة الداخلية، لكنه لا يلبث أن يطلق رسائل تتضمن تبريرًا لمواجهات داخلية أو ضوءاً أخضر لاستخدام القوة والسلاح. هل بناء الجبهة الداخلية يتم عبر المواجهة والانقسام أم من خلال العدالة والمساواة واستعادة الثقة بين الدولة ومجتمعها؟.
وفي خضم هذا الغموض تطرح قضية الحكومة المؤقتة أو الجهات التي تزعم تمثيل السلطة في مناطق خارجة فعلياً عن سيطرة الدولة، تساؤلات إضافية حول غياب أي أفق سياسي بديل أو مبادرة وطنية تُعيد بناء العقد الاجتماعي السوري على أسس جديدة. هل الحل الوحيد هو السلاح؟ وأين هي المشاريع الوطنية التي تُراعي تعددية سوريا وتحفظ حقوق جميع مكوناتها بما فيها الشعب الكوردي الذي يُغيّب اسمه عمداً في أغلب الخطابات الرسمية؟.
إن كل هذه الأسئلة لا تنبع من موقف عدائي تجاه الدولة بل من حرص حقيقي على وحدتها وعلى ضرورة الانتقال من دولة قائمة على الولاءات الضيقة إلى دولة تُبنى على القانون وتدار بالمؤسسات وتُحتَرم فيها التعددية. استمرار التهرب من الإجابة على هذه التساؤلات أو قمع من يطرحها لا يعني سوى تأجيل الانفجار المقبل وتعميق الهوة بين الدولة ومجتمعها.
سوريا اليوم بحاجة إلى تسويات تاريخية لا انتصارات وهمية. إلى شراكة وطنية لا تفويضات أمنية. إلى دولة تعترف بكل أبنائها لا تميز بينهم بحسب سلاحهم أو انتمائهم أو مكان تواجدهم. فهل من يستمع؟ وهل من يجرؤ على الإجابة؟
